كيف غيرت معركة أوكرانيا شكل الحروب؟

عند بدء روسيا هجومها على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، لم تكن التساؤلات إذا كانت موسكو قادرة على الإطاحة بنظام الحكم في البلاد، بل بشأن توقيت حدوث ذلك، وذلك أساسا بسبب الفروق العسكرية الشاسعة بين جيشي موسكو وكييف.
لكن القوات الأوكرانية غيرت المعادلة، لتنهي الشكوك بشأن سقوط حكومتها، وتركز حاليا على كيفية استعادة الأراضي المحتلة.
ويشير تحليل لصحيفة “فورين أفيرز” إلى أن الجيش الأوكراني لم يتميز بحسب بقدرته على الصمود والقتال بشراسة دفاعا عن أراضيه، بل أيضا في التقنيات التي وظفها في استخدام المعدات العسكرية.
وتزامنا مع الفشل الروسي في إدارة الموارد، وتوفير مستلزمات جنوده، وتقاعسه عن فرض السيطرة الجوية، برزت جهود أوكرانيا في استخدام تقنيات متطورة وتكييف القدرات الحالية بطرق جديدة مبتكرة، داخل وخارج ساحة المعركة المتحركة، وفقا للتحليل.
وأكد التحليل أن أوكرانيا استخدمت ذخائر جاهزة، وصواريخ ثابتة، وعدلت الطائرات المسيرة التجارية، لتنجح بتدمير القوات والمعدات الروسية بثمن بخس، كما استغلت بيانات الأقمار الصناعية التجارية لتتبع تحركات القوات الروسية، ووظفت الذكاء الاصطناعي، جنبا إلى جنب مع صور الأقمار الصناعية هذه، لتصميم برنامج يساعد مدفعيتها على تحديد الأهداف وتوجيهها وتدميرها بأكثر الطرق فعالية وفتكا.
وأشار إلى أن التفوق الأوكراني لم يأت بسبب تطور معداتها أو برمجياتها مقارنة بالجيش الروسي، بل أن بساطة المعدات المستخدمة، وقلة كلفتها، ساهمت في تسهيل استخدامها بطرق مبتكرة.
ولأن التكنولوجيا التابعة لهذه المعدات بسيطة، يرى التحليل أن ذلك ساعد في تدريب الجنود، وحتى المدنيين عليها بشكل أسرع يكفل تحقيق الانتصارات على أرض المعركة.
أرض خصبة للابتكارات العسكرية
وذكر التحليل أن الجيش الروسي والأوكراني لديهما قوات عسكرية مجهزة جيدا، ما فتح المجال لتصبح أراضي أوكرانيا موقعا للابتكارات العسكرية والتكنولوجية للجيل القادم.
وينوه التحليل إلى أن الحرب الأوكرانية سلطت الضوء على أمور أخرى أكبر من النزاع القائم حاليا: وهي “الديمقراطية في القوة العسكرية”، التي تعدت ساحات المعركة والمواجهات العسكرية التقليدية، ليتمكن كل المواطنين والشركات الخاصة والمؤسسات المدنية في المشاركة للدفاع عن البلاد، مؤكدا أن هذه السمة ستغير تعامل الدول مع الحروب مستقبلا.
وطرح التحليل مثالا على فرقة الطائرات المسيرة الأوكرانية “Aerorozvidka”، التي قام أفرادها من المتطوعين بتحويل المسيرات التجارية، التي تستخدم لتصوير مقاطع فيديو لوسائل التواصل الاجتماعي إلى أدوات حربية، حيث نجحوا في طباعة قنابل بالتقنية ثلاثية الأبعاد وتركيبها على تلك الطائرات.
وفي أوائل يونيو، استخدم صبي يبلغ من العمر 15 عاما أيضا لعبة طائرة من دون طيار، لمساعدة الجيش الأوكراني على توجيه ضربة مباشرة ضد قافلة روسية في مدينته.
كما أغلق جيوش القراصنة المتطوعين مواقع إلكترونية روسية. وتمكنت الحكومة الأوكرانية من تأمين الوصول إلى شبكات الأقمار الصناعية الخاصة المملوكة للمدنيين، وقد بث المواطنون الأوكرانيون لقطات للقتال، بما في ذلك عبر “تيك توك”، لمساعدة مخططي الحرب في بلادهم.
ويشير التحليل إلى أن بعض التقنيات التي تستخدمها أوكرانيا حاليا، مثل طائرات “بيرقدار” التركية المسيرة وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كانت متواجدة منذ سنوات، وقد أعيد تقديمها اليوم إلى أرض المعركة وبحلة جديدة.
لكن التحليل يشير إلى أن التكنولوجيا وحدها لن تساعد أوكرانيا في الانتصار بالمعركة أو تدمير خطوط الإمداد الروسية أو عقيدتها القتالية ومخزوناتهم العسكرية وتجبرها على التراجع.
ومع ذلك، فإن الحرب الأوكرانية أعادت تسليط الضوء على ظاهرة منح القوة للناس، كما حصل بمواجهة بروسيا والنمسا عندما حاولتا قتال القوات الفرنسية في القرن التاسع عشر، حيث كانتا ضمنتا الانتصار لدى مقارنة حجم القوى العسكرية لديهما، لكن ما لم يحسب حسابه هو دخول الشعب الفرنسي في المواجهة العسكرية.
ويؤكد التحليل أن “الفخ” ذاته وقع فيه كل من ظن أن أوكرانيا كانت ستسقط خلال أيام معدودة.
ويختتم بالقول إن روسيا لم تتمكن من فعل ذلك لأن أوكرانيا استخدمت تقنيات عامة طورتها شركات القطاع الخاص، لتوسيع كل من ما يمكنها القيام به في الحرب، ومن يمكنه القيام بذلك.
كما أنها أثبتت أن عددا متزايدا من الجهات الفاعلة يمكن أن يكتسب تكنولوجيا عسكرية مفيدة.
وذكر أن الحرب في أوكرانيا أظهرت أن “الدول يمكن أن تقاتل في ساحات جديدة، بمساعدة المؤسسات المدنية والأفراد العاديين. لقد منحت نفسها المزيد من الفرص للنجاح فيما كانت ستواجه دون ذلك ساحة معركة غير متوازنة”.