«لعنة» التضخم تطارد «القارة العجوز»

تحول التضخم في أوروبا، إلى «لعنة» تطارد «القارة العجوز»، وتنخر في بنية أقوى اقتصاد العالم، حيث أصبح ارتفاع الأسعار كابوساً يرعب سكان منطقة اليورو البالغ عددهم 343 مليون نسمة.
وتتزايد المخاوف من استمرار ارتفاع الأسعار في أوروبا، مع إقرار قادة مجموعة السبع المجتمعة في منتجعات الألب البافارية بألمانيا، حزمة عقوبات جديدة و«قاسية» على موسكو شملت حظر استيراد الذهب الروسي.
وأدى الارتفاع المتواصل في الأسعار إلى الضغط على البنك المركزي الأوروبي لرفع معدلات الفائدة، حيث أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد اليوم الثلاثاء، خطط رفع معدل الفائدة بواقع ربع نقطة خلال شهر يوليو المقبل، ولكنها قالت إن صانعي السياسات على استعداد لعمل ما هو أكثر من ذلك لمواجهة التضخم القياسي.
وذكرت وكالة بلومبرج للأنباء أن لاجارد قدمت في الاجتماع السنوي لمسؤولي البنك المركزي في سينترا في البرتغال ضمانات بأن آلية مكافحة الأزمة الجديدة، التي لم يتم الاعلان عنها بعد، لن تقف عائقا أمام التغلب على ارتفاع أسعار المستهلكين بأسرع وتيرة منذ تبني العملة الموحدة اليورو.
وكان المسؤولون قد عقدوا اجتماعا طارئا هذا الشهر عقب ارتفاع عوائد السندات الايطالية، حيث قرروا تسريع العمل لوضع آلية جديدة لمواجهة مثل هذا الاضطراب.
وارتفع التضخم في منطقة اليورو إلى 8.1 بالمئة مع استمرار زيادة الأسعار، ما يشير إلى أن الطاقة لم تعد وحدها السبب في زيادة التضخم، بحسب أرقام نشرها مؤخراً مكتب الإحصاءات الأوروبي “يوروستات”.
ومع دخول أكبر معارك برية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية شهرها الخامس، تتزايد المخاوف من أن القطع المحتمل لإمدادات الطاقة الروسية سوف يؤدي لحدوث ركود.
التضخم ينخر الاقتصاد
وارتفعت أسعار الطاقة بنسبة لامست 40%، بسبب الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة الطاقة العالمية، ما يجعل الحياة أكثر تكلفة لسكان منطقة اليورو.
وبلغ التضخم في ألمانيا أعلى مستوى له منذ ما يقرب من نصف قرن في مايو نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء منذ بداية الحرب في أوكرانيا.
وقال وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر، اليوم الثلاثاء إن التضخم ينخر في أسس الاقتصاد، وذك بعد يومين من إظهار بيانات رسمية أن أسعار المنتجين في ألمانيا قفزت بنسبة 33.6 بالمئة على أساس سنوي في مايو.
وأبلغ ليندنر اتحاد الصناعة الألماني “التضخم ينخر الأساس الاقتصادي لكل شيء آخر.”
وأضاف أنه يجب على ألمانيا أن تتوقع مدفوعات للفائدة بقيمة 30 مليار يورو (31.65 مليار دولار) في 2023 مقارنة مع أربعة مليارات يورو في 2021.
ويأتي ذلك نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء منذ مطلع العام مع بداية الأزمة في أوكرانيا، والتي يتوقع ارتفاعها أكثر فأكثر، بعد اتفاق قادة الاتحاد الأوروبي على فرض حظر جزئي لواردات النفط الروسية لدولهم في سياق الحزمة السادسة من العقوبات على روسيا، وهو ما سيقود تاليا لرفع معدلات التضخم المرتفعة أصلا في بلدان الاتحاد الأوروبي.
وذكر مكتب الإحصاء الاتحادي، مؤخراً، أن أسعار المستهلكين، المصممة لأن تكون قابلة للمقارنة مع بيانات التضخم من دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، زادت بمعدل سنوي قدره 8.7 بالمئة.
وكان التضخم ارتفع بشكل مماثل في ألمانيا خلال شتاء 1973 و1974 عندما ارتفعت أسعار الزيوت المعدنية نتيجة أزمة النفط الأولى.
وبحسب المكتب الإحصاء الاتحادي، ارتفعت أسعار الطاقة 38.3 بالمئة في مايو مقارنة بالشهر نفسه العام الماضي، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية أيضاً بمعدل فوق المتوسط بلغ 11.1 بالمئة.
أعلى مستوى
وفي بريطانيا، أظهرت بيانات رسمية، حديثة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية دفع تضخم أسعار المستهلكين في بريطانيا إلى أعلى مستوياته في 40 عاماً، الشهر الماضي ليبلغ 9.1%.
وجاءت البيانات متماشية مع نتائج استطلاع لآراء الاقتصاديين أجرته رويترز.
وقال مكتب الإحصاء الوطني البريطاني «ارتفاع أسعار الأغذية والمشروبات بالمقارنة مع انخفاضها قبل عام أسهم في زيادة كبيرة» في التضخم.
وأضاف المكتب أن أسعار المستهلكين ارتفعت 0.7 في المئة على أساس شهري في مايو.
موازنة معدلة
وفي فرنسا، قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير في حوار مع تلفزيون ” بي اف أمس الأول الاثنين إن معدل التضخم في فرنسا سوف يرتفع خلال الاسابيع المقبلة، وسوف يبلغ نحو 5% خلال العام الجاري.
ونقلت كالة بلومبرج للأنباء عن لو مير القول إن الحكومة الفرنسية تعد حاليا موازنة معدلة لعام 2022 بناء على التوقعات الاقتصادية الجديدة بهدف حماية المواطنين من تزايد التضخم.
وأضاف لو مير أن الحكومة سوف تضع حدا لزيادات الايجار لتبلغ 5ر3% ضمن الموازنة الجديدة.
وذكرت صحيفة ليه إيكو أن القانون المقترح بشأن القوة الشرائية سوف يتضمن زيادة بنسبة 4% في المعاشات وأشكال الدعم النقدي الأخرى للمساعدة في مواجهة التضخم.
وسييتم تطبيق الزيادة أيضا على الحد الأدنى للدعم الحكومي ودعم الاسر.
وقالت الصحيفة إن هذه الاجراءات سوف تبلغ تكلفتها 8 مليارات يورو بحلول أبريل المقبل، ومن المقرر طرح المقترح أمام مجلس الوزراء في بداية يوليو المقبل.
سقف لسعر النفط الروسي
وأعلن مسؤول كبير في البيت الأبيض أن قادة مجموعة السبع المجتمعين في قمة في ألمانيا سيطلقون العمل الهادف لوضع آلية لتحديد سقف للنفط الروسي بهدف ضرب مصدر مهم لعائدات موسكو.
وقال المسؤول قبل ساعات من اختتام القمة وفق وكالة فرانس برس الفرنسية، إن مجموعة السبع “ستطلب من الوزراء العمل بشكل عاجل على وضع سقف لأسعار النفط بالتشاور مع دول أخرى والقطاع الخاص بهدف وضع مثل هذا السقف”.
أسهم السلع
وفي سياق مواز، ارتفعت الأسهم الأوروبية اليوم الثلاثاء مدعومة بمكاسب في الأسهم المرتبطة بالسلع وشركات صناعة السيارات بعد أن خففت الصين قيود الحجر الصحي المتعلقة بكوفيد-19.
وزاد مؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.9 في المئة بحلول الساعة 0714 بتوقيت جرينتش، وفق رويترز، مرتفعا للجلسة الثالثة على التوالي وسط تراجع المخاوف بشأن تحركات البنك المركزي لتشديد السياسة النقدية من أجل السيطرة على ارتفاع التضخم.
وارتفعت أسهم قطاعي النفط والغاز في أوروبا 1.9 بالمئة و3.2 بالمئة على الترتيب، حيث زادت أسعار السلع الأساسية مدعومة بآمال تعافي الطلب في الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر مستهلك للمعادن.
وقالت السلطات الصحية إن الصين ستخفض فترة الحجر الصحي المتعلقة بكوفيد-19 إلى سبعة أيام للقادمين من الخارج، مع قضاء ثلاثة أيام أخرى في المنزل، بينما لم تسجل بكين وشنغهاي أي إصابات محلية جديدة بفيروس كورونا لأول مرة منذ شهور.
وارتفع سهما لوي فيتون (إل.في.إم.إتش) وريشمون للسلع الفاخرة، اللتين تعتمدان على الصين في جزء كبير من إيراداتهما، بواقع 1.4 بالمئة و2.7 بالمئة على الترتيب.
ومن بين الأسهم الأخرى، زاد سهم فاليو 3.1 في المئة بعد أن وقعت شركة قطع غيار السيارات الفرنسية عقدا كبيرا مع بي.إم.دبليو لتزويد منصة السيارات الكهربائية المقبلة من شركة صناعة السيارات الألمانية بأنظمة متقدمة لمساعدة القيادة.
الأمن الغذائي العالمي
إلى ذلك، قال مسؤول أمريكي اليوم الثلاثاء إن قادة مجموعة السبع” جي 7″ سوف يتعهدون بتخصيص 5 مليارات دولار لتحسين الأمن الغذائي العالمي في ظل أزمة الجوع التي تلوح بالأفق بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأكد المسؤول التوصل للاتفاق على هامش قمة مجموعة السبع المنعقدة في جنوب ألمانيا، مضيفا أن الولايات المتحدة سوف تقدم أكثر من نصف هذا المبلغ.
وأضاف أن هذه الأموال ” سوف تدعم الجهود في أكثر من 47 دولة” ، وتساعد في إنقاذ الأرواح عبر التدخلات الانسانية المباشرة” و ” تعزيز مرونة الأنظمة الغذائية ومقاومتها حول العالم، خاصة في المناطق الأكثر ضعفا”.
وتمنع الحرب في أوكرانيا، وهى الآن في شهرها الخامس، الحبوب من مغادرة موانئ أوكرانيا، وتجعل الطعام أكثر تكلفة حول العالم، حيث يحذر الخبراء ومنظمات المساعدات من مجاعات محتملة في مناطق بأفريقيا. وتلقي موسكو مسؤولية أزمة الغذاء على العقوبات الغربية.