هل تتدخل البنوك المركزية لاحتواء تضخم الأسعار؟

الاقتصاد اليوم– تشهد دول العالم حاليًا موجة تضخم نتجت عن إعادة فتح الاقتصادات بعد أن خفّت حدة جائحة كوفيد-19 ، الأمر الذي دفع البعض لمطالبة البنوك المركزية وفي مقدمتها الفيدرالي الأميركي بالتدخل ورفع الفائدة، لسحب السيولة وتحجيم الزيادة الكبيرة في الأسعار.
وبدأت الدول في استعادة أنشطتها تدريجيًا عقب توقف دام لنحو عام، ليرتفع الطلب على السلع والخدمات دافعًا بالتضخم لمستويات قياسية. وشهد النفط قفزة كبيرة حيث زاد سعر خام برنت بأكثر من 80% خلال الـ 12 شهرًا الماضية، في حين بلغت نسبة الزيادة 300% عند مقارنتها بأدنى مستوى وصل له في إبريل/نيسان من العام الماضي ، كما وصلت أسعار المواد الخام لمستويات قياسية ومن بينها الحديد والنحاس والألومنيوم والبلاديوم وغيرهم.
تضخم عالمي
زاد التضخم في الولايات المتحدة 5% في مايو/أيار وهي أسرع وتيرة منذ نحو 13 عامًا، كما ارتفع في الصين 1.3%، في الوقت الذي توقع فيه محافظ البنك المركزي يي غانغ أن يظل دون مستوى 2% خلال عام 2021.
وفي ألمانيا، ارتفع التضخم على أساس سنوي إلى 2.5% في مايو/أيار مع القفزة في أسعار النفط، وهو أعلى مستوى في عشر سنوات، كما سجلت اليابان لأول مرة منذ مارس/آذار 2020 معدلات تضخم إيجابية بنحو 0.1% بعد استبعاد الأغذية الطازجة.
وزاد التضخم السنوي لمنطقة اليورو التي تضم 19 دولة إلى 2% في مايو مقابل 1.6% في إبريل، فيما ارتفع تضخم في الاتحاد الأوروبي – يضم 27 دولة – إلى 2.3% في مايو مقابل 2% في إبريل. وتشير التوقعات إلى أن التضخم في منطقة اليورو سيصل إلى 1.9% في يونيو/حزيران، لكنه على الأرجح انخفاض مؤقت سيعقبه ارتفاعات في النصف الثاني من العام.
أما في الدول العربية، لم تشهد معدلات تضخم أسعار المستهلكين زيادات كبيرة، وفي مصر على سبيل المثال، وصل التضخم العام إلى 4.8% في مايو مقابل 4.3% في يناير/كانون الثاني. ويتحرك التضخم في السعودية بين 5 إلى 6% منذ تطبيق القيمة المضافة في يوليو/تموز 2020 وبلغ 5.7% مايو مقابل 1.1% في نفس الشهر من العام الماضي، لكن الزيادة تعود بالأساس للقيمة المضافة.
وارتفع معدل التضخم في سلطنة عمان في شهر إبريل/نيسان الماضي بنسبة 1.59% مقارنة بالشهر المماثل من عام 2020، بسبب ارتفاع أسعار خدمات رئيسية مثل النقل. وزاد التضخم في الكويت بنسبة 3.12% في إبريل على أساس سنوي بينما تراجع 0.17% على أساس شهري. وفي دبي انخفض المؤشر السنوي العام لأسعار المستهلك بنسبة 2.8% في مايو 2021 مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2020. وتراجع التضخم في الأردن في مايو مقارنة بالشهر السابق له بـ 0.3%، لكنه ارتفع 1.6% مقارنة بشهر مايو من عام 2020.
هل تتحرك البنوك المركزية؟

رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول – مصدر الصورة: Mark Makela / GETTY IMAGES NORTH AMERICA / Getty Images via AFP
بحسب الشريك المؤسس ومدير الاستثمار لشركة Advisable Wealth Engines، أيمن أبوهند لن تتخذ البنوك المركزية أي إجراءات استثنائية لاحتواء التضخم لأنه يعتبر مؤقتًا، وقال لفوربس الشرق الأوسط: ما حدث هو أن كافة الأنشطة الاقتصادية التي توقفت بعد تفشي كوفيد-19 بدأت في العودة لطبيعتها بعد اللقاح، فحدث طلب كبير على السلع ولم يكن الموردين مستعدون له فزادت الأسعار وارتفع التضخم.
وتساءل: هل ذلك التضخم مستدام؟ “بالتأكيد لا … بمجرد زيادة الإنتاج ستقل الأسعار للحفاظ على التنافسية حتى تعود الأمور في النهاية لطبيعتها”. وتوقع انخفاض التضخم بدءًا من الربع الأخير من العام.
وعادة ما تتجه الأنظار للفيدرالي الأميركي عقب أي قفزة في التضخم، فمجرد تصريح صغير من رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول قد يقلب الأسواق رأسًا على عقب، ومع ذلك يثبت الفيدرالي عند رأيه بإبقاء معدلات الفائدة قرب الصفر حتى نهاية 2023 رغم ارتفاع التضخم بأكبر وتيرة له منذ 13 عام في الولايات المتحدة، مبررًا ذلك بأن التضخم الحالي “مؤقت”.
ويلجأ الاحتياطي الفيدرالي لرفع الفائدة في أوقات الانتعاش الاقتصادي وانخفاض نسب البطالة وزيادة التوظيف، ويكون هدفه الأساسي تحجيم التضخم وتقليل الطلب، وهو ما يحدث حاليًا حيث تواصل الاقتصادات الكبرى تعافيها بقوة.
وشهد اقتصاد الولايات المتحدة إضافة 850 ألف وظيفة في يونيو/حزيران الماضي. ومع ذلك، ارتفع معدل البطالة في الشهر الماضي إلى 5.9% مقابل 5.8% في مايو/أيار، لكن يمثل ذلك انخفاضًا كبيرًا مقارنة بشهر يونيو من العام الماضي الذي بلغت فيه البطالة 11.1%.
فيما يستعيد الاقتصاد الصيني هو الآخر نشاطه، حيث زاد إجمالي واردات وصادرات ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 28.2% على أساس سنوي إلى 14.76 تريليون يوان (2.31 تريليون دولار) في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021، بحسب بيانات نقلتها وكالة شينخوا. ويمثل ذلك زيادة بنسبة 21.6% مقارنة بنفس الفترة من عام 2019، أي قبل تفشي الجائحة.
وفي ظل زيادة الإنتاج وصادرات الدول الكبرى، يرجح رئيس قسم البحوث في برايم للأوراق المالية، عمرو الألفي حدوث توازن بين العرض والطلب بداية من العام المقبل. وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط، يقول الألفي إن الأمر لا يستدعي الأمر رفع الفائدة في مصر لأن معدلات التضخم عند المستويات التي كان يستهدفها البنك المركزي بالأساس، بينما دول الخليج مرتبطة بالفيدرالي، عندما تثبت أميركا الفائدة تحذو البنوك المركزية الخليجية حذوها ونفس الأمر عند الرفع أو الخفض.
فيما قال خبير الاستثمار هاني توفيق في تصريحات له خلال برنامج اقتصادي على قناة المحور إن العالم شهد طباعة 26 تريليون دولار خلال الفترة الماضية. ووفقًا لتوفيق، كانت هذه الأموال مجمدة إما لفقدان المواطنين لشهية الشراء أو نتيجة لتحفظهم، لكن بعد أن خفت حدة كورونا وتم فتح الاقتصاد الأميركي بدأت موجة الشراء وزاد الطلب مقابل معروض أقل من الصين وغيرها، الأمر الذي سبب تضخمًا في الأسعار.
سلع قفزت أسعارها بقيادة النفط

النفط قفز بأكثر من 300% مقارنة بأدنى مستوى له في إبريل 2020 – مصدر الصورة: Through Haizhen Du/shutterstock
تقود الطفرة في أسعار النفط ارتفاع التضخم، إذ يرفع كلفة خدمات رئيسية مثل النقل. وقفزت أسعار خام برنت في العقود الآجلة من نحو 42 دولار في يونيو من العام الماضي إلى أكثر من 76 دولار حاليًا. وكان خام برنت قد وصل لأدنى مستوياته في إبريل/نيسان من العام الماضي قرب 19 دولار للبرميل. فيما وصل سعر برميل النفط لخام غرب تكساس الوسيط في العقود الآجلة إلى 75.16 دولار مقارنة بنحو 40 دولار منذ عام واحد، وكان قد انهار لأدنى مستوياته في إبريل وتم تداوله بأسعار سالبة.
كما قفزت أسعار الغاز الطبيعي لأعلى مستوى لها منذ نحو عامين ونصف، لتصل إلى 3.7 دولار لكل مليون وحدة حرارية مقابل نحو 1.7 دولار منذ عام واحد فقط. وقفزت أيضًا أسعار المواد الخام على مدار الأشهر الأخيرة وأبرزها الحديد والألومنيوم والنحاس والبلاتينيوم والبلاديوم. ومن بين السلع التي شهدت زيادة في أسعارها الذرة، والقمح، والقطن وغيرهم من السلع الأساسية الأخرى.
كانت S&P Global قد أوضحت في تقرير أصدرته في مارس/آذار الماضي، أن أسعار المعادن وصلت لأعلى مستوياتها منذ عدة سنوات مع سعي الموردين لاستيعاب تعافي الطلب.
ما هو التضخم ولماذا يرتفع؟

طباعة النقود والسيولة الضخمة من ضمن أسباب ارتفاع التضخم – مصدر الصورة: Svetlana Lukienko-Shutterstock
يعبّر مؤشر التضخم عن تحرك الأسعار حيث يتم حسابه بُناء على سلة من السلع قد تتضمن الأغذية والمشروبات والطاقة والنقل وغيرها من السلع والخدمات، وعندما ترتفع معدلات التضخم فإن هذا يعني ارتفاع أو تضخم أسعار السلع نتيجة لأسباب أهمها زيادة الطلب مقابل قلة العرض. أما تراجعه يشير إلى انخفاض الأسعار أي أن الطلب أقل من العرض.
يؤدي انتعاش الاقتصاد وزيادة معدلات التوظيف وتوافر سيولة ضخمة بأيدي المواطنين إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات ومن ثم تزيد الأسعار، وهنا يأتي دور البنوك المركزية التي تتدخل لتحجيم التضخم عبر استخدام الأداة الأكثر فاعلية في تلك الحالة وهي الفائدة.
بمجرد ارتفاع التضخم، تقوم البنوك المركزية بزيادة معدلات الفائدة، لتحقيق هدف رئيسي وهو سحب السيولة من السوق، حيث تغري الفائدة المرتفعة المواطنين وتدفعهم لإيداع أموالهم بالبنوك للحصول على فائدة أعلى، ويحجم المستثمرون عن الاقتراض بسبب ارتفاع التكلفة، الأمر الذي يقلل الاستهلاك ويهدئ من وتيرة ارتفاع الأسعار. كما أن رفع الفائدة في حالة ارتفاع التضخم يعوّض المواطنين الذين يعتمدون على الفائدة البنكية عن الزيادة في الأسعار.
وكما أن للفائدة المرتفعة فوائد، فهي أيضًا لها تأثيرات سلبية حيث تزيد من تكلفة الاقتراض سواء للأشخاص أو للحكومات التي تصدر سندات أو أذون خزانة، كما أنها تؤدي لتباطؤ الاستثمار سواء كان مباشر أو في البورصات وأسواق المال، لأن المستثمرين سيحجموا عن الاقتراض بسبب ارتفاع تكلفة الفائدة، فيما سيفضل البعض إيداع أموالهم بالبنوك طالما يحصلون على فائدة عالية دون تحمل مخاطر استثمار تلك الأموال.
أما خيار خفض الفائدة، فهو يحدث في حال تباطؤ أو انكماش الاقتصادات وتراجع الاستهلاك، ويكون هدفه تقليل تكلفة الاقتراض وتحفيز الاستثمار والاستهلاك والإنتاج.
جدير بالذكر أنه يوجد نوع آخر من التضخم ينتج عن انهيار سعر العملة وليس بسبب زيادة الطلب، مثل التضخم في لبنان وتركيا وسوريا، حيث تنهار عملات تلك البلدان ما تسبب في رفع تكلفة الاستيراد وزيادة غير مسبوقة في أسعار السلع والخدمات.- فوربس