مستقبل القطاع المالي في عصر التحول الرقمي

في محاولة لفهم كيفية تطور القطاع المالي واستمراره في الازدهار خلال الفترة الحالية، استضافت فوربس الشرق الأوسط ندوة افتراضية بعنوان “مستقبل الخدمات المالية – الطريق إلى المستقبل”، بالشراكة مع Gulf Business Machines.
أدارت الجلسة الصحفية الرقمية جيسي المر، وتألفت اللجنة من خمسة متحدثين: رئيس قسم المعلومات في بنك رأس الخيمة الوطني، سانجاي خانا؛ ومدير الخدمات المصرفية والمالية في GBM، راجيش ناغبال؛ ونائب رئيس قسم السحابة المختلطة والذكاء الاصطناعي في شركة IBM بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، مصطفى ظافر؛ ورئيس العمليات والتكنولوجيا لمجموعة Network International، مارك دايموند؛ ورئيس البيانات ومسؤول التحليلات في HSBC، بارتوش بيتروسكا.
ركزت حلقة النقاش على الطرق المختلفة التي اعتمدتها البنوك ومقدمو الخدمات خلال عملية الرقمنة، وهي عملية تسارعت بشكل غير متوقع بسبب الوباء العالمي. قبل كوفيد-19، كان مقدمو الخدمات المالية يتخذون بالفعل خطوات نحو الرقمنة، لكن الوباء جعل الحاجة إلى تحويل الخدمات عبر الإنترنت أكثر إلحاحًا.
تضمنت بعض الجوانب الرئيسية لسباق الرقمنة التي تم إبرازها خلال الندوة قيمة دمج الذكاء الاصطناعي (AI) في الخدمات المالية، وزيادة الأتمتة، واستخدام تقنيات البلوكتشين، وتبني منصات واجهة برمجة التطبيقات (API)، والتحول إلى سحابة مختلطة.
وتمكّن هذه الخطوات مجتمعة المؤسسات من الحفاظ على القدرة التنافسية في القطاع المالي، وتعزيز مستويات رضا العملاء، والمضي قدمًا نحو تقديم خدمات سلسة.
التكنولوجيا المالية
مع صعود التكنولوجيا المالية، والبنوك الرقمية فقط (بنوك ليس لها وجود على أرض الواقع)، والخدمات المصرفية المفتوحة، كافح مقدمو الخدمات المالية مع مستويات أعلى من القدرة التنافسية في هذا القطاع.
وفي محاولة للتنافس مع عدد وأنواع مزودي الخدمات المتزايدة، اختارت البنوك إعادة الابتكار الرقمي والمرونة الرقمية كإستراتيجيتين رئيسيتين لها.
وقال راجيش ناغبال من GBM: “مع ظهور أتمتة الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، وتكنولوجيا الجيل الخامس، و البلوكتشين، أعتقد أن إعادة الابتكار الرقمي أصبحت ضرورة لكل مؤسسة لخلق ميزة استراتيجية للنجاح”.
ووفقًا لمدير الخدمات المصرفية والمالية، يحتاج مقدمو الخدمات إلى تحقيق التوازن الصحيح بين دمج التقنيات الحديثة والحفاظ على تلك الموجودة بالفعل.
وأوضح سانجاي خانا من بنك رأس الخيمة الوطني أن الخطوة الأولى في عمليات إعادة الابتكار الرقمي والحفاظ على المرونة الرقمية كانت أن تستثمر البنوك في تحسين منصاتها الرقمية الموجودة مسبقًا. يقول: “في السنوات القليلة الماضية، أعدنا إطلاق منصتنا الرقمية الكاملة وأعدنا تجميعها. لقد أصبحت بطاقات الائتمان لدينا الآن رقمية بالكامل”.
ووصف رئيس قسم المعلومات كيف بدأ بنك رأس الخيمة الوطني رحلته نحو الرقمنة من خلال تحسين منصاته عبر الإنترنت. وأضاف أن البنك، بعد تنفيذ ذلك، أصبح قادرًا على تلبية طلب العملاء المتزايد على الفور وتسهيل الوصول، وتقليل خطوات التعامل، وتوفير الخدمة بدون تلامس.
وتم إطلاق استراتيجية التجديد الرقمي هذه عندما لاحظت مؤسسات الخدمات المالية أن المشهد المالي والمصرفي بدأ يتغير مع ظهور التقنيات المتطورة والمبتكرة. ونتيجة لذلك، قاموا بمهام ضبط خدماتهم الموجودة مسبقًا عبر الإنترنت وزيادة تطوير كفاءة منصاتهم الرقمية. كانت هذه متطلبات أساسية لاعتماد تقنيات وآليات أحدث من شأنها أن تسمح لمقدمي الخدمات المالية بتعزيز تجربة المستخدم.
تطور العمل المصرفي
في السنوات الأخيرة، كان هناك انخفاض كبير في نموذج الخدمات المصرفية التقليدية، حيث أحدثت الخدمات المصرفية عبر الإنترنت والهاتف المحمول ثورة في تجربة العملاء وزادت التوقعات عندما يتعلق الأمر بتنفيذ المهام المتعلقة بالتمويل.
تطورت طلبات العملاء جنبًا إلى جنب مع تطور الخدمات المصرفية التقليدية وتعميم الخدمات المصرفية الافتراضية. الآن، يتوقع العملاء تجربة مصرفية شاملة عبر الإنترنت تتيح لهم إجراء أي معاملة من أي مكان في العالم.
في هذه المرحلة، كان ظهور المحافظ الرقمية والمدفوعات من نظير إلى نظير (P2P) والبطاقات الافتراضية أمرًا مهمًا.
شارك رئيس العمليات والتكنولوجيا في Network International ، مارك دايموند، أفكاره حول مدى تكيف أدوات الخدمات المصرفية الافتراضية في منطقة الشرق الأوسط. يقول: “الميل إلى المحافظ [الرقمية] موجود في كل مكان … إذا حاولت المقارنة بين البنوك الواقعية، والتطبيقات المالية على الهاتف، وشركات التكنولوجيا، فحتى البنوك الواقعية الآن تقوم بتحويل بطاقاتها افتراضيًا في اللحظة التي تفتح فيها حسابًا جاريًا، بحيث يمكنك استخدام بطاقتك على الفور في التجارة الإلكترونية أو من خلال تطبيق الهاتف المحمول”.
وأضاف: “أعتقد أن العمر الافتراضي للبطاقات الواقعية سيكون أقصر بكثير بعد تفشي فيروس كورونا”، وأضاف: “ستتحول جميع طرق الدفع إلى الهاتف المحمول بالتأكيد”.
لعب مقدمو الخدمات المالية دورًا أساسيًا في هذا التحول من خلال منصات الخدمات المصرفية عبر الإنترنت لأنهم مكّنوا عملاءهم من الأفراد والتجاريين – بما في ذلك المؤسسات المصرفية – من تطوير قدرات الأداء الافتراضية لديهم. في الواقع، يساهم مقدمو الخدمات المالية في مجالات متعددة، بما في ذلك تحديث المنصات الرقمية التي تركز على تقنيات السحابة المختلطة والاستفادة منها وأتمتة المهام اليومية من خلال استخدام تقنيات الدعم مثل الذكاء الاصطناعي والتحليلات في الوقت الفعلي. كما لعب مقدمو الخدمات المالية دورًا فعالًا في تطوير واجهات تفاعلية شديدة البساطة وذات طابع شخصي لفهم تفضيلات العملاء بشكل أوضح.
تحديات الرقمنة
ربما يكون التحدي الأكبر الذي سيواجهه القطاع المالي في عصر الرقمنة هذا هو زيادة عدد التهديدات السيبرانية وخصوصية البيانات، والتعامل مع عمليات الاحتيال وخرق البيانات كمخاطر حتمية تصاحب استخدام المنصات المالية الرقمية.
وحذر نائب رئيس تقنيات السحابة المختلطة والذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا في شركة IBM، مصطفى ظافر: “إذا أصبح كل شيء رقميًا، فعلينا الاعتماد على الأمن الشامل، وليس مجرد نقطة أمان واحدة. وهذا للتعامل مع مسألة الاحتيال وكيف يمكننا إدارته، خاصة في القطاع المالي”.
وأضاف: “المدفوعات الفورية والمعاملات الفورية التي تحدث الآن تحتاج إلى آليات لكشف الاحتيال والتعامل معه”. وفقًا لظافر، فإن التعامل مع الأمن والاحتيال وحده يكلف المؤسسات مبالغ ضخمة من المال ويمكن أن يؤدي إلى عقوبات كبيرة.
مع تزايد مخاطر الثغرات الأمنية، كان على المؤسسات الاستثمار في البنية التحتية لمكافحة وإدارة مشكلات الأمان وحماية البيانات وتقليل التكلفة النقدية الناتجة عن الاحتيال أو انتهاكات الأمان. لذلك، بالاقتران مع اعتماد تقنيات أحدث لتسهيل الرقمنة، كان على مقدمي الخدمات المالية والبنوك أيضًا الحفاظ على وضع أمني قوي من خلال استخدام التكنولوجيا المبتكرة.
ونظرًا لأن التهديدات الجديدة تظهر يوميًا تقريبًا، فمن المهم للمنظمات تقييم إجراءات الأمان وتحسينها باستمرار. بالإضافة إلى المراقبة المستمرة لجميع تدابير الأمان، من المهم تنفيذ آليات تساعد على ضمان أمان نقطة النهاية للمستخدم وخصوصية البيانات وأمن التطبيقات.
وهناك عقبة أخرى في عملية الرقمنة وهي مدى قدرة المؤسسات المالية على تحويل عملياتها إلى السحابة العامة. في الوقت الحالي، لا يستطيع مقدمو الخدمات المالية سوى تفريغ 2-3% من عبء العمل على السحابة، بينما لا يزال يتم التعامل مع الباقي في الموقع أو في مراكز البيانات. توجد هذه القيود بسبب حقيقة أن القطاع المالي هو صناعة شديدة التنظيم، وهي حقيقة تمثل في حد ذاتها تحديًا إضافيًا للمؤسسات المالية أثناء قيامها برحلة الرقمنة.
الذكاء الاصطناعي
في العالم الرقمي، هناك عامل حاسم آخر في ضمان تقديم خدمة أفضل مع ضمان رضا العملاء وهو دمج الذكاء الاصطناعي وتقنيات السحابة الهجينة وتحليلات البيانات، كما أوضح رئيس قسم البيانات والتحليلات في HSBC،بارتوس بيتروسكا: “من المهم للغاية أن تكون لديك البنية التحتية المناسبة، لتكون قادرًا على معالجة البيانات الضخمة”.
وأضاف: “يجب أن يكون لديك مكان للتخزين، مع إمكانية الوصول إليه ومعالجة محتواه، وبالطبع لا بد من أن يكون آمنًا”.
ويعد اعتماد السحابة المختلطة أحد الحلول التي تم تنفيذها لمعالجة قدرة المؤسسات المالية المحدودة على تحويل جزء كبير من عبء العمل إلى سحابة عامة. سمحت السحابة المختلطة لمقدمي الخدمات المالية بأتمتة العديد من العمليات ورقمنتها، مثل فتح حساب مصرفي أو الحصول على قرض.
علاوة على ذلك، ساعدت هذه التقنية المختلطة أيضًا المؤسسات المالية على اعتماد معايير مصرفية مفتوحة، وبالتالي تمكين العملاء من إجراء المعاملات بغض النظر عن النظام الأساسي الذي يستخدمونه والتحول إلى موقع الويب أو التطبيق الخاص بمصرفهم المحدد. أثبتت السحابة المختلطة أيضًا أنها مبتكرة في تجاوز حدود المنظمات الفردية وتعزيز التفاعل والتكامل بين المنظمات المختلفة وعبر القطاعات.
بصرف النظر عن اعتماد السحابة المختلطة، تعد حلول الذكاء الاصطناعي مفيدة في تحسين الخدمات المالية أيضًا، لا سيما فيما يتعلق بتطوير المساعدين الافتراضيين الذين يمكنهم أداء مهام معينة نيابة عن العملاء.
لا يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على تحويل وظائف المساعدين الافتراضيين فحسب، بل يمتلك أيضًا القدرة على فحص أنماط سلوك العملاء والتنبؤ بها وتقديم الخدمات وفقًا لذلك عندما يقوم العملاء بتسجيل الدخول إلى منصة رقمية.- فوربس