مقالات مختارة

خيارات الأردن اقتصادية أم مالية؟

فايق حجازين

هل انعدمت الخيارات أمام الحكومة لتتخذ قرارات تمس حياة المواطن والمستهلك بشكل أساسي، ولتضع حلولٍ مالية عاجزة عن تحقيق الهدف منها، وهي زيادة الإيرادات بمقدار 540 مليون دينار؟

الحلول يجب أن تكون اقتصادية آثارها على المدى المتوسط والبعيد، لا حلول مالية اثرها آني قصير. الحلول تمكن بتحفيز البيئة الاستثمارية بما يفضي إلى توطين الاستثمارات المحلية وجذب استثمارات عربية وأجنبية، تسهم جميعها في توفير فرص العمل وزيادة الانتاجية، وبالتالي زيادة الثروات الوطنية، وعندها ترتفع إيرادات الخزينة وينخفض عجز الموازنة وينمو الناتج المحلي الاجمالي وينخفض الدين العام مرة كنسبة من الناتج، ومرة أخرى بالقيمة المطلقة.

يضاف إلى ذلك فرصا عديدة تتمثل في زيادة الاستثمارات السياحية والتركيز على الصناعات ذات القيمة المضافة العالية والصناعات الموجهة للتصدير، والتفكير في الاستثمارات الزراعية النوعية مثل زراعة النخيل، وخصوصا المدجول (المجهول)، والتين والرمان والعنب، وإعادة إحياء الزراعات التعاقدية التي اجهضتها الأزمة السورية بإغلاق باب التصدير برا إلى أوروبا، وإحياء مشروعات استراتيجية كانت مطروحة في الثمانينات ولم ترى النور، منها مشروع زراعة البنجر السكري (في الاراضي الممتدة بين الزرقاء والمفرق) الذي يسهم في توفير احتياجات المملكة من السكر ويمكن تصدير الفائض، واستخدام مخلفات البنجر كعلف من طراز رفيع للأبقار، فتمنو الثروة الحيوانية وتكفينا استيراد جزء كبير من اللحوم، والأهم أنها تخلق ألاف فرص العمل.

وستسهم مثل هذه المشروعات في توفير الوظائف وزيادة الثروات وإيرادات الدخل والمبيعات، وتحسن الميزان التجاري وتخفف الضغوط على ميزان المدفوعات وتسهم في تحسين الحساب الجاري. عندها فقط تتحقق الاهداف التي يسعى برنامج الاصلاح المالي والاقتصادي أهدافه وهي الوصول إلى بيئة مريحة ماليا تمهيدا لبيئة نشطة اقتصاديا. لكن غاب عن المسؤولين عن اعداد الخطة والتي يمكن اعادة رسمها بما يتناسب مع الاهداف المرغوب الوصول لها، أن الحل المالي لا يخلق فرص عمل ولا يزيد الإيرادات ويعبر عن قصر نظر القائمين على السياسة المالية.

الاجراءات التي اتخذتها الحكومة في العام 2017 بتحقيق إيرادات اضافية بمقدار 450 مليون دينار لم تتحقق، وتراجعت معها الإيرادات العامة نحو 625 مليون دينار عن المتوقع في موازنة العام ذاته؛ فقد استهدفت 7342 مليون دينار وتحقق منها 6717 مليون دينار.

لكنها حققت زيادة عن الإيرادات المحلية في عام 2016 قدرها 484 مليون دينار، فهل تعكس مقدار الزيادة (484 مليون دينار) زيادة الإيرادات بمقدار 450 مليون دينار والنمو الطبيعي في النشاطات الاقتصادية؟

الإيرادات الإضافية المتوقعة في موازنة الحكومة للعام الحالي 2018 والبالغة 540 مليون دينار لن تتحقق للأسباب التالي: المواطنون سيعيدون النظر في الكثير من العادات الاستهلاكية، وإعادة النظر في اقتناء السلع المعمرة، وبالتالي تراجع الطلب في السوق المحلية وما يتبعه من تراجع المستوردات وبالتالي انخفاض الإيرادات. ارتفاع اسعار السيارات الكهربائية وذات محرك البنزين بعد القرارات الأخيرة، سيؤدي للتوجه إلى السيارات القديمة وبالتالي تراجع قيمة المستوردات والإيرادات المتحققة منها.

السجائر قصة أخرى، فارتفاع ثمنها في السوق المحلية سيجعل التهريب مجدي أكثر من ذي قبل، رغم أن عمليات التهريب لم تتوقف وعلى علم المسؤولين في الجمارك ووزارة المالية وصولا إلى رئاسة الوزراء، وزيادة التهريب ستزيد الفرص الضائعة أمام خزينة الدولة، ذلك فضلا عن أن سلوك المدخنين يتوقع أن يتغير إما باتجاه سجائر اقل ثمنا أو تقليل كمية السجائر المستهلكة أو ان يقلع جزء منهم عن التدخين. وبالتالي الهدف من رفع إيرادات السجائر من 750 مليون دينار إلى 860 مليون سنويا، لن يتحقق، وعلى تستطيع المحافظة على الإيرادات المتحققة في عام 2017 قبل رفع اسعار السجائر.

على القائمين على السياسة المالية الاستفادة من تجربة السنة الأولى في خطة زيادة الإيرادات اعتمادا على المستهلك (ضريبة المبيعات) كونها لم تحقق اهدافها، وعليهم التوجه إلى زيادة الإيرادات من باب الدخل، بتوسيع القاعدة الضريبية ومنه التهرب والتجنب الضريبي وشمول فئات مهنية وتنظيم دفعها لضريبة الدخل مثل الأطباء والمحامين والمهندسين ومكاتب الاستشارات.

فلا يعقل والحكومة تواجه عجزا ماليا ودينا مرتفعا وخدمة دين تتجاوز المليار دينار سنويا، القبول بأن تدفع 150 ألف منشأة ومؤسسة وشركة فقط 75 مليون دينار ضريبة دخل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى